أبوظبي (الاتحاد)

من مسرح «شاطئ الراحة»، انطلقت مساء أمس الثلاثاء في تمام العاشرة، سادسة حلقات برنامج «أمير الشعراء»، أولى حلقات المرحلة الثانية، وهو البرنامج الذي تنتجه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي، في إطار استراتيجيتها الثقافية التي تهدف إلى صون التراث، وإلى تعزيز الاهتمام لدى المتلقين بالأدب عموماً ، وبالشعر العربي خصوصاً، بشقيه النبطي والفصيح.
وشهدت الحلقة أحداثاً عدة، بين الإعلان عن اسمَي الشاعرَين المتأهلين إلى المرحلة الثانية، وذلك عن الحلقة الأخيرة من المرحلة الأولى، وتقارير حول الشعراء، وقصيدة مغنّاة، إلى جانب الحدث الأبرز الذي يتمثل في المنافسة بين الشعراء. وقبل بدء مجريات الحلقة، أعلنت مقدمة البرنامج لجين عمران عن تأهل الشاعرة دينا الشيخ من السودان، ومحمد الأمين جوب من السنغال، إلى المرحلة الثانية، وذلك بعد جمع درجتي لجنة التحكيم في الحلقة الماضية مع نتيجة تصويت الجمهور لهما، لتتأهّل الشيخ بـ71 % وهي التي تغيّبت عن الحلقة، وجوب بـ56 %، فانضمّا بذلك إلى زميلهما الشاعر السعودي سلطان السبهان الذي تأهل في الحلقة الماضية، فيما خرجت الشاعرة منى القحطاني من المسابقة بـ54 %.
أعضاء لجنة التحكيم المكونة من أساتذة النقد: د.علي بن تميم، ود.صلاح فضل، ود.عبدالملك مرتاض، ترقبوا خلال الأمسية ما سيلقيه الشعراء الذين كان عليه الالتزام بآلية تحكيم المرحلة الثانية من المسابقة، والتي كشف عنها د.علي بن تميم، وحسب ما قال، فإن هذه المرحلة تتكون من ثلاث حلقات، يتنافس في كل أمسية من أمسياتها خمسة شعراء، وتطلب اللجنة من كل واحد منهم في كل حلقةٍ قصيدة مقفاة أو عمودية، لكن اختيار موضوعها يخضع لحرية الشاعر، فإن قدّم الشاعر قصيدةً عمودية، فلا بدّ أن يلتزم بكتابة أبيات لا تقل عن ثمانية، ولا تزيد عن عشرة، وإن قدّم قصيدةً مقفّاة فعليه أن يكتب 15 مقطعاً في الحدود الدنيا، و18 مقطعاً في الحدود القصوى.
أما بالنسبة لفقرة المجاراة، ففي كل حلقة تختار اللجنة موضوعاً، وعلى الشعراء الالتزام بمجاراته.
وليلة الأمسية كان مفتتح المجاراة مع أبيات للشاعرة ولادة بنت المستكفي، وكان على شعراء الأمسية كتابة أربعة أبيات على وزنها وقافيتها.

المطيري تتأهل بـ47
بعد أن شهدت الحلقة منافسة عارمة بين الشعراء الخمسة الذين تم اختيارهم لتقديم إبداعاتهم، وهم: مبارك السيد أحمد من مصر، شيخة المطيري من الإمارات، ابتهال تريتر من السودان، هاني عبدالجواد من الأردن، وسعد جرجيس من العراق، فقد ذهبت فرصة التأهّل للمرحلة الثالثة للشاعرة شيخة المطيري، إثر حصولها على 47 درجة بقرار لجنة التحكيم، تلاها في الدرجات هاني عبدالجواد بحصوله على 46 درجة، ثم ابتهال تريتر وسعد جرجيس بحصول كلّ واحد منهما على 44 درجة، وأخيراً مبارك سيد أحمد الذي حصل على 43 درجة.
واستمتع الجمهور بالأغنية التي قدمتها نجاة رجوي ضيفة الحلقة، حيث شدت بأغنية «هذه ليلتي» لكوكب الشرق أم كلثوم، وهي من كلمات الشاعر جورج جرداق وألحان محمد عبد الوهاب.

تجاوزات تريتر
كانت البداية مع الشاعرة ابتهال تريتر من خلال نصها «تجاوُزاتٌ شَاعِرة»، والتي اعتبرها د.صلاح فضل مكثفة بالشعور، ومضمّخة بالعطور، وقادرة على التجاوز الجميل، وهي تمثيل صادق للسودان.
وأشار د.بن تميم إلى وجود أفعال في القصيدة تصوّر للمتلقي بأن الشاعرة ترغب بصناعة شعر جديد وحياة جديدة، لكنها لم تستطع تحقيق ما وعدت به من تجاوزات، لأنها وقعت بين الفحول، ونسيت أن تستلهم من الشاعرات.
من جانبه وجد د.عبدالملك مرتاض أن ابتهال أسقطت اسمها الديني على شعريتها في النص، حيث وجد في كل الأبيات ألفاظاً دينية، موضحاً أنه بهذا النقد لا يمدح ولا يقدح، إنما يتحدث عن واقع.

سيرة جرجيس
بعنوان «سيرة الذي رأى فجرَ الرِّمال» ألقى الشاعر سعد جرجيس نصه، والذي هنأه عليه د.عبدالملك مرتاض، بقوله: «هكذا يا سعد تورد الإبل، فقد قدّمت نصاً شعرياً يليق بالمسابقة وبمستواها، تتناص فيه مع أحمد شوقي ومحمود درويش، وأعتقد أن ذلك قد يكون لمصلحتك.
د.علي بن تميم تحدّث عن القصيدة، وقال إنها مكونة من ثلاثة أجزاء، السلام الذي يهب على صدر مغترب فيردّه إلى بغداد، ثم العلاقة بين البحر ومعرفة أسراره وعبوره، وكذلك الحديث عن احتلال بغداد، وهي قصيدة منبرية خطابية استدعت نصاً منبرياً لمحمود درويش«سجل أنا عربي».
وقال د. فضل إن الشاعر في أبياته يوجه نداء العودة للعراقيين، ووصفه بأنه نداء جميل وضروري عندما ينشد لبغداد (سلامٌ قديمٌ وفجرُ نَبي)، لأنها كانت مدينة السلام، وبهذا الاسم تؤلف لها الكتب، ثم يذكر الشاعر العبور بقوةٍ.

شيخة والسبعٌ العِجاف
نص«سبعٌ عِجاف» ألقته الشاعرة شيخة المطيري، وقد دلّ د. علي بن تميم على ما فيه من قوة في السبك، ومن أساليب شعرية متميزة، وأضاف بأن القصيدة بمجملها هي سبعٌ نديات. بدأ د.عبدالملك مرتاض من تجسيد القصيدة لملحمة الطين، حيث اشتغلت الشاعرة على الطين وكأنها خزّافة، فالطين منه خُلقنا وإليه نعود، فهو يمثّل الأرض التي تمثّل بدورها الحياة والخصب، وبدا له أن هذه القصيدة أجمل وأحسن وأشعر من قصيدة المرحلة السابقة.
فيما قال د.صلاح فضل: إن شيخة تجسد في القصيدة حالة شعرية بالغة الرهافة والدقة والجمال، فهي تستعير حالة التكوين الحلمي الأول في قصة يوسف لتوظفه رمزاً شعرياً، وتعمل على عقد شيفرته السرية، فيمتزج لديها الخلق البشري بالطين والماء بالخلق والإبداع، ليعبر عن أوجاعه المكتومة والمكلومة.

ولادة مبارك رابع شعراء الأمسية
مبارك سيد أحمد الذي ألقى نصاً بعنوان «ولدت فيك»، وقد رأى د.عبدالملك مرتاض أن مبارك أشعر في التفعيلة من العمودي. وأكد أن د.صلاح فضل أن الشاعر يتذرع في نصه بشيء من المباشرة، ومع أنه ينشد بأن يكون بمنأى عن التوضيح والتبيان إلا أنه وقع بهما كما في قوله (امتيازاتي عن الأقران) وغير ذلك.
أما الإشارة إلى حادثة القطار الأليمة والموجعة، فجاءت مباشرة وعرضية ومجانية في ثنايا التشبيه.
أما د.علي بن تميم، فقد أخذ على الشاعر تجاوزه شروط المسابقة، فالمطلوب ما بين ثمانية أبيات وعشرة أبيات، ومع ذلك فإن جمال النص يتركّز في المفتتح والخاتمة، وما فيه من حلولٍ وتماهٍ كما فعل الحلاج حين قال (أنا مَنْ أهْوى وَمَنْ أهْوى أنَا نَحنُ رُوحانِ حَلَلْنا بَدَنا).
واتفق د.مرتاض مع د.فضل حول البيت الأخير من النص، فهو الأجمل، وإن كان مبارك قد أفسده بمفردة (أحتاج) التي تتعدّى بـ(إلى)، وبمفردة (أنساني) غير الصحيحة نحوياً.

شجرة عبدالجواد
وقدم الشاعر هاني عبدالجواد قصيدته «اتّكاءٌ على ظِلالِ شجرةِ الغاف»، والتي عقب عليها د.علي بن تميم بقوله إنها أول قصيدة في «أمير الشعراء» على وزن المنسرح، وأول قصيدة في «أمير الشعراء» تستدعي إيقاع ووزن قصيدة الشاعر محمود حسن اسماعيل «النهر الخالد» التي غناها محمد عبدالوهاب. فيما قال د.عبدالملك مرتاض إنّ هاني أرهق اللغة صَعودا، وإن أجمل ما في النص تشكيله الإيقاعي، واللعب بالألفاظ، والتفنن في النسج، وتوظيف المسكوت عنه في أكثر من بيت. وختم الآراء النقدية د.صلاح فضل، فقال إن هاني قدم نصاً جميلاً، وإن لم يوضح العلاقة بين الغافة رمز التسامح وبين تأملات الشاعر التي قصد قولها في ظلها. وقدم الشعراء مجاراتهم لقصيدة بنت المستكفي، وأبدى أعضاء لجنة التحكيم إعجابهم بما قدم الشعراء.